7- ومن المنكرات التي تحصل أيام الانتخابات: وجود الحمية الجاهلية التي لا تراعي ضوابط الشرع فيها وإيقاد نار التعصب، فيصوتون للقريب أو لابن القبيلة حتى ولو كان ممن لا يعرف بصلاة ولا صلاح، وقد جاء عن جابر رضي الله عنه قال: ضرب رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا، قال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: ياللمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها خبيثة". متفق عليه.
وقد يتعدى الأمر إلى الطعن في الأنساب، فتجد بعضهم ينتقص القبيلة الأخرى والعائلة الأخرى، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة ". رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري.
8- ومن المخالفات الشرعية أيضا: أن بعض الناخبين لا يعطون أصواتهم إلا للمرشح الذي يطالب بالأمور الدنيوية ( كعلاوة الأبناء وزيادة الرواتب وإلغاء الرسوم ) ، أما المطالبة بالأمور الدينية فلا تهمهم ، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:" تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة، إن أُعطي رَضِي، وإِن لم يُعْطَ سَخِط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش". رواه البخاري. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يعبدون الدنيا ولو كان ذلك على حساب الدين.
9- ومن منكرات الانتخابات: ما يقع هذه الأيام من كثرة الكلام الذي لا فائدة من ورائه، بل قد يكون سبباً في الوقوع في الإثم، فهناك من إذا جلس مجلساً وقع في الناس، ورتع في أعراضهم، وأطلق لسانه في ذمهم وعيبهم، غيبةً ونميمة وافتراء وبهتاناً وسخرية واستهزاء، كل ذلك من أجل رفع بعض المرشحين على حساب الآخر، وقد نهانا الله عز وجل عن الغيبة ووصفها بوصف بشع. فقال: {وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات12.
وعن أبي برزة الأسلمي قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من اتبع عوراتهم، يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته". رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام معنى الغيبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". رواه مسلم.
أما النميمة فهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم، وقد حذر النبي e من النميمة، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله eصلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة نمام". وفي لفظ: "قتات". متفق عليه.
10- ومن المنكرات التي تكثر أيام الانتخابات: كثرة السب واللعن والفحش في القول، وهذا ليس من خلق المسلم، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم e: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء".رواه أحمد الترمذي وصححه الألباني.
واللعان -أيها الأخوة- محروم من الشفاعة والشهادة يوم القيامة، ومن لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت عليه، فعن أبى الدرداء قال: سمعت رسول الله eصلى الله عليه وسلم يقول: "إن اللَّعانين لا يكونوا شهداء ولا شفعاء يوم القيامة". رواه مسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تلعن الريح فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه". رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.
ومعنى اللعنة: الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وليس الدعاء بها من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
11- ومما يكثر انتشاره في أيام الانتخابات: كثرة الإشاعات ونشر الأخبار قبل التثبت من صحتها، فتارة نسمع أن المرشح الفلاني يشترى أصوات الناخبين، وتارة نسمع أن المرشح الفلاني فعل كذا وكذا، وقد أمرنا الله عز وجل بالتثبت عند سماع الخبر فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6. كما توعد ربنا الذين يشيعون الفاحشة في المؤمنين بالعذاب الأليم فقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ }النور19. وعدَّ نبينا علية الصلاة والسلام نقل كل كلام نسمعه كذباً، فقال علية الصلاة والسلام:"كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". رواه مسلم.
12- ومن المخالفات الشرعية التي تكثر أيام الانتخابات: سوء الظن بالآخرين، وهذا أمر محرم، بل الواجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين، يقول الله عز وجل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} الحجرات12.
وقال النبي علية الصلاة والسلام: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" متفق عليه. وقال عمر رضي الله عنه:"ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيراً، وأن تجد لها في الخير محملا". ومن إساءة الظن أن يتهم المرشح غيره بأنه لم يُصَوّت له.
13- ومن المنكرات التي تكثر أيام الانتخابات: نقل الأصوات الانتخابية من دائرة لأخرى باستخراج عقود وهمية لتغيير عنوان السكن ثم التسجيل بقيد الناخبين من أجل التصويت، وهذا أمر محرم شرعاً لما فيه من التزوير الذي هو من أكبر الكبائر، ويأثم في ذلك الناخب والمرشح وكل من شارك وأشار أو ساعد في هذه العملية وهو يعلم بعدم صحتها وحقيقتها. (انظر فتوى وزارة الأوقاف رقم 35ع/2003م).
14- ومن المنكرات القبيحة التي تحصل أيام الانتخابات: ما يقوم به بعض الناس من الحلف والقسم على إعطاء الصوت لرجل معين أو جعل المصحف أداة لتأكيد القسم، وهذا من اتخاذ آيات الله هزواً وجعل الرب جل وعلا عرضة لأمور دنيوية تافهة، فالله عز وجل شأنه عظيم، والحلف به في كل صغيرة وكبيرة ليس من تعظيم الله، ولا هو من حفظ اليمين التي أمر الله بها في قوله: {واحفظوا أيمانكم} المائدة 89. وحذرنا ربنا سبحانه من جعله عرضة للأيمان فقال:{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} البقرة 224.
للشيخ د. حمد الهاجري